السبت، 16 يوليو 2011

رشا السنوسي أميرة ليبية ثائرة 15-7-2011


تقرير: كريمة ادريسي/ إذاعة هولندا العالمية- تحررت مدينتها بنغازي في زمن قياسي. من الفرحة العارمة التي غمرتها، لم تستطع أن تسيطر على نفسها وهي في الشارع، تهتف وتصرخ وتضحك وتبكي... انتابتها مشاعر مختلفة وهي تتذكر اقاربها وأصدقاءها الذين قتلوا لكي يبزغ فجر هذا اليوم.

رشا السنوسي
إنها رشا السنوسي، فتاة ليبية تعتز بليبيتها ووطنيتها. اكتشفت شجاعتها أثناء الثورة، ومثلما انبهر الكثيرون في العالم بالشجاعة التي أبدتها نساء ليبيا، انبهرت أيضا بنفسها: اشعر أني نضجت عشر سنوات كاملة"، تقول رشا.

تمتد أصول رشا للعائلة الملكية السنوسية، وهو ما كان دائما مصدر إزعاج لعائلتها، حيث كان والدها ضابطا في الجيش الملكي السنوسي، وأقيل من طرف نظام القذافي، ليعتقل لفترة. وبعد خروجه رفض مغادرة ليبيا، وتوجه للعمل في النفط، بعيدا عن النظام وسياساته، الذي ظل يلاحقه ويراقبه ويتعبه. وظل منذ ذلك الحين محتفظا في خزانته الشخصية بعلم الاستقلال الليبي.

أما رشا نفسها، فقد تعرضت عدة مرات للمساءلة والإنذار حين رفضت التسجيل في "اللجان الثورية"، وهو التنظيم الشعبي شبه السياسي التابع لنظام العقيد القذافي.

الإنترنت.. طوق النجاة
في 1992، اسقط القذافي طائرة كانت متوجهة من بنغازي إلى طرابلس، وكان على متنها أساتذة رشا الجامعيون وعدد من أصدقائها. أثر فيها الحادث كثيرا واتخذت من حينها موقفا عدائيا واضحا من نظام القذافي. "هذا جعلني بعد دخول الانترنت لليبيا، ان أعلن ما في صدري تجاه النظام. الانترنت كان طوق النجاة الذي استطعت أن أتنفس من خلاله".
نشطت رشا على الفيسبوك بما يزيد من 25 اسما مستعارا، أكثرها شيوعا اسم "رسيس عمران". "كنت اكتب بهذا الاسم مدوناتي، منها مدونة تحت اسم: جرائم القذافي".

وشكلت مع مجموعة، لا يعرف فيها احد الآخر، صفحة 17 فبراير، وانتفاضة الشعب الليبي، ويوم الغضب، "كنا نتواصل للحكي عن أنفسنا عبر منتديات للزواج والتعارف لنحكي بحرية أكثر وبالرغم من ذلك تعرضت صفحاتنا للاختراق وعرفوا شخصياتنا قبل الثورة بأيام. وكنت من ضمن 120 شخصا آخر وضعونا على لائحة المطلوبين. وكان من بينهم أسماء معروفة مثل محمد السحيم وعاطف الأطرش اللذين لا يزالان معتقلين، وكانا من بين الأقلية الذين يكتبون بأسمائهم. بالإضافة إلى محمد مخلوف والأخوين الأمين المعتقلين لحد الآن".

علم الاستقلال
اتفقت المجموعة قبل الثورة على علم الاستقلال، استعدادا ليوم الغضب الذي كان مخططا ليوم 17 فبراير. اشترت رشا أقمشة بألوان علم الاستقلال الأربعة من بائع طاعن في السن. سرعان ما استنتج مرادها وساعدها في اختيار اللون الأخضر المناسب.
ألح الشيخ على أن يحيك بنفسه عددا من أعلام الاستقلال. تفاجأت رشا بالعرض وراودتها الشكوك. أخذت معها قماشا لتحيكه بنفسها رغم عدم ضلوعها في الحياكة. واتفقت مع الشيخ على أن تعود إليه لتأخذ منه الباقي.

عادت بعد الموعد المحدد بيوم متنكرة في عباءة وخمار، وخائفة، وكان ذلك يوم 12 فبراير. إلا أن الشيخ مد لها بهدوء كيسا بداخله 17 علما ورفض ان يأخذ منها مقابلا.

كانت بنغازي برمتها منكبة على حياكة العلم، لتوزعه على شباب الثورة. "استشهد ابن عمي. استشهد وفي يده علم الاستقلال الذي منحته إياه"، تقول رشا.

ثورة بنغازي
انطلقت شرارة الثورة يوم 15 فبراير، حين رفعت أمهات وأرامل وأخوات ضحايا مجزرة أبو سليم شعاراتها أمام المحكمة. سارعت رشا إلى المكان، حاملة كاميرتها، تصور وتنشر على الانترنت، حيث تقول: "كانت شبكة اتصالاتي متنوعة وواصلت نشر الخبر وإيصال الحقيقة للناس عبر الانترنت بعد ذلك، بالرغم من انه الانترنت كانت مقطوعة في كل الأماكن باستثناء أماكن محددة".

في يوم 23 فبراير، شهدت بنغازي مسيرة نسائية كبيرة جدا، وكانت رشا واحدة ممن قدن المسيرة. وبعدما تم إطلاق الرصاص، بادر الشباب بحماية النساء والفتيات، بسبب انتشار المرتزقة وكتائب القذافي في كل مكان. وبدأت التهديدات تنهال على رشا، "لم أكن خائفة أبدا كنت واثقة من أننا سننتصر. وجدت نفسي أتحول إلى إنسانة أخرى لا تهاب الموت. وقد استغرب أصدقائي على الفيسبوك شجاعتي واعتقدوني رجلا من خارج ليبيا. لكن كان منهم من يدعوني لاتخاذ الحذر أيضا".
انتقلت رشا مع عائلتها إلى مخبأ في المنطقة الشرقية غير بعيد عن بنغازي، وسرعان ما اقتحم بيتها بعد ذلك. ولم تعد الى بنغازي إلا بعد ما خرجت عناصر اللجان الثورية من المدينة بشكل كامل، بعد شهر.

لذة النصر
هي لذة موجودة لكنها لن تكتمل إلا بتحرير ليبيا برمتها. نفس الكلام الذي يردده كل الليبيين. ولذلك فأهل بنغازي لم يتوقفوا عند هذا الحد، بل بدأ العمل الشاق، فنظام القذافي يحاول بشتى الطرق أن يتسلل إلى بنغازي، وقبل أيام، تم القبض على مرتزقة من مصر، وتحديدا من المنية، دخلوا بسيارات مفخخة بعد أن اشتراهم نظام القذافي بأمواله. ولذلك فلا يغمض لشباب بنغازي جفن. هم يحرسون مدينتهم ليل نهار.

بعد دخول المنظمات لبنغازي، حاولت مساعدتهم ومرافقتهم. وساعدت أيضا وسائل الإعلام مثل الجزيرة والعربية. كانت توفر لهم كل ما يحتاجونه، ولم تكن لوحدها، "كانت معي عناصر نسائية كثيرة فاجأتني حقا. كانت للمرأة الليبية صورة التابعة للقذافي، الخاضعة للنظام، وكانت المرأة تلازم البيت فقط ، فقد كان الرجل مسيطرا على الوسط، وهو في غالبه وسط غير أخلاقي وغير ملائم ولا يناسب أخلاقياتنا أو ديننا. لكن الثورة أظهرت وجوها مشرفة وافتخرت بكوني امرأة ليبية.. لكن الثورة أزاحت النقاب عنها."

المخيمات في تونس
وبمجرد وصول العائلات النازحة من مصراته، كانت رشا توفر لها أماكن الاستقبال وكل ما تحتاجه "من الألف للياء". ولكن سرعان ما اتجهت بمشاعرها لما يحدث في الجبل الغربي حيث صديقات لها، "حكين لي أشياء محزنة مثل حالات الاغتصاب".

وقررت ان تزور اهل الجبل الغربي في مخيمات ليبيا بتونس، وسافرت مع طائرة للإغاثة فيها طبيبات وممرضات، تحت راية منظمة حقوقية اسمها الراية، وفوجئت بما رأت هناك: "حزنت وتساءلت لماذا وصل حال الليبي إلى هذا الحد؟ ليبي في مخيم؟"

كان مخيم رماده أسوأ المخيمات الثلاث، وفيه عيادة صغيرة فيها طبيب ليبي واحد فقط، لحوالي 1500 شخص. وكانت هناك حالات وفاة أثناء الولادة لانعدام الأجهزة المتطلبة لعمليات قيصرية. وبالإضافة إلى أن عصابات القذافي هجموا عليهم عنوة بالأسلحة البيضاء ومنعوا المعونات من الوصول إليهم.

عثرت رشا على طفل في السادسة، مصاب بسرطان الدم، وطلبته من أهلها لترعاه. وجاءت به إلى بنغازي. قبل أيام عاد أهل الطفل إلى بيتهم في الجبل الغربي وجاؤوا إلى رشا لأخذ ابنهم الذي تحسنت حالته الصحية كثيرا.

بعدما عادت رشا الى بنغازي، وجهت المجموعة انتقادا للمجلس الوطني الانتقالي وطلبت منه التدخل السريع. وضعت برامج لتأجير سفن ليأتوا بهم إلى الجهة الشرقية لكن اللاجئين رفضوا وفضلوا ان يبقوا بالقرب من مساكنهم في الجبل الغربي على أمل العودة القريبة.

اغتصاب
في الأول ساد الصمت عن موضوع الاغتصاب، فهو من التابوهات الكبيرة في الثقافة الليبية، لكن طبيبات اقنعن بعض الضحايا برواية التفاصيل. وترصدت رشا بعض الحالات واتخذت منهم شاهدات على الوضع، "هناك استجابة وان كانت محدودة جدا، ولكن مصراته بالخصوص ترفض الخوض في الموضوع بتاتا وتتكتم على الأمر بسبب طبيعتها المحافظة جدا".
وقد تم تسفير الضحايا للعلاج بطريقة سرية خارج البلاد. وتتراوح أعمار الضحايا بين أطفال في الثامنة من العمر ونساء فوق الخمسين. في معظم الحالات كان الجاني يصور جريمته، ويغتصب النساء أمام رجالهن، ثم يقتلن بعدها الرجال.

عروس مغتصبة
أما الحالات الأخرى التي صادفتها رشا في مخيمات تونس فتتعلق بنساء حملن بعد اغتصابهن، وأجهضن بالطبع. بل وتحكي رشا قصة عروس في السابعة والعشرين، كانت في بداية حملها، واغتصبت بطريقة متوحشة، فاسقط جنينها، واضطر الأطباء بعد إسعافها إلى إزالة الرحم نهائيا بسبب تضرره الكبير.
وقد عثر على فيديوهات كثيرة لعمليات اغتصاب، تم جمعها لتقديمها كأدلة للمحكمة.

وبعد ملف الاغتصاب، انكبت رشا على ملف الأسرى، تلك المجموعة التي وصلت من طرابلس عبر الصليب الأحمر.استمعت إليهم والى تجربتهم و طرق التعذيب التي مورست عليهم، وسجلت تصريحاتهم بالصوت والصورة.


أما الآن فان رشا مهتمة بالمعاقين بسبب الحرب، حيث عرضت بعض المنظمات تركيب اطراف صناعية للضحايا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق