ماذا لو طالب الليبيون بتكليف سيف الإسلام باللجنة الشعبية العامة، أو العقيد المعتصم مسؤولية الإشراف على شؤون الحكومة مجاراة لما جاء في افتتاحية صحيفة آويا "ماذا لو طلب الليبيون من القائد استدعاء رفيق رحلته الرائد عبد السلام جلّود، وجرى تكليفه بأمانة اللجنة الشعبية العامة".
والسؤال مبرر لدى البعض لأن سيف الإسلام حاضر حتى وهو غائب، حاضر بحكم الأمر الواقع وضمن الفوضى العامة التي تجتاح البلاد طولا وعرضا ويمارس مهام كبيرة ويتمتع بمسؤوليات واسعة، وغائب لأنه لا منصب رسمي له. والمعتصم هو مستشار الأمن القومي وفي نظام سياسي لا يزال للمؤسسة الأمنية دور بارز فيه ليس من المستغرب توليه أمانة اللجنة الشعبية العامة ويمكن أن يستعين بخبراء لمساعدته في إدارة دفة الأمور. لما لا إذا كان الموضوع متعلق بالبحث عن أشخاص يديرون شؤون الدولة بصرامة للتصدي للفساد وضبط الأمور.
ودون أن نغرق في الجدل حول طبيعة مقترح أويا وتوقيته ومن وراء اقتراح استدعاء عبدالسلام جلود ومن بقي من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وهل هو سيف الإسلام نفسه كما أشاع البعض ممن لهم صلات بشركة الغد وصحيفة أويا، فإنه من المهم أن نتفق مع من أشار إلى أن الاقتراح ربما يكشف عن تخبط وحتى خلاف داخل أورقة صناعة القرار في مستوياتها العليا، وأن هناك اتفاق على ضعف اللجنة الشعبية العامة وعدم قدرة من دأبوا على التناوب على أمانتها منذ مطلع الثمانينيات على أن يقدموا جديدا يضع البلاد على مسار الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
ما نود أن نثيره هنا ربما يتجاوز الأسماء والشخوص إلى أمر أكبر أهمية، وهو الحاجة تغيير حقيقي يتطلبه الوضع الراهن في البلاد. البلد يحتاج إلى نظام مستقر يعمل فيه رجال مسؤولون ويستوعب من يمكن استعابهم من الكوادر والخبرات، ولن يكون من المجدي تقديم رجال مهما كانت إمكانياتهم وقدراتهم ولا يملكون السلطات والصلاحيات اللازمة لتصحيح الوضع الراهن.
الفوضى التي تجتاح البلاد إنما تفشت بفعل عدة عوامل منها ما هو مرتبط بالهياكل والنظم المعمول بها والقرارات والسياسات المتبعة، ومنها ما هو مرتبط بالممارسات التي تتجاوز القانون ومن يقومون على تنفيذه، والتصحيح يجب أن يبدأ بالاتفاق على إصلاح النظام بهياكله السياسية وكل ما يتصل به من تشريعات وإجراءات بما في ذلك وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
لا أحد يجزم بالذي يجري في المستويات العليا، أو الدوائر المغلقة، كما أشار البعض، وهل ستكون هناك استجابة من العقيد القذافي لإطلاق العنان لمشروع الإصلاح بعد العقبات التي واجهته، وإلى مدى يمكن أن يذهب في تصحيح المسار وتحقيق الاستقرار من خلال تبني المؤسساتية وتطبيق القانون والفصل بين السلطات وإطلاق الحريات العامة والحريات الصحيفة وإزالة العوائق امام تطور المجتمع المدني. لا أحد يمكن أن يجزم بذلك، ولا أحد يبدو قادر على إقناعه بجدوها.
بالرغم من عدم وجود ما يبشر في هذا الصدد وغياب الآلية التي يمكن أن تكون القوة الدافعة لتصحيح الوضع وغياب الإرادة السياسية نتساءل: ألم يحن الوقت بعد لعقد مؤتمر وطني لا سقف له ولا قيود على من يمكن أن يشارك فيه، ليكون مكانا لمناقشة الوضع الراهن وبلورة تصور عملي لحلحلته وتتبنى طروحاته الدولة؟ ولماذا لا يكون هذا المقترح الذي تكلم به قطاع من النخبة في الداخل والخارج واعتبروه مدخلا مهما لتحقيق الإصلاح، وإنطلاقة صحيحة لمواجهة التحديات التي عجزت سياسات وقرارات وبرامج المؤسسات العامة من احتوائها، هو الخطوة القادمة بعد أن تعثر ما سبقه من خطوات؟!.
هذه هي القضايا التي ينبغي أن تشغل صانع القرار، وما دامت غائبة عنه فلن يكون الجدل القائم حول من يمكن أن يتولى أمانة اللجنة الشعبية العامة أي معنى. وبدل أن نجعل من الرائد عبدالسلام جلود بلونة اختبار ومقياسا لردود الأفعال، وبدل اختزال القضية في البحث عن شخص ونتطلع أن يغير الواقع بلمسة سحرية لماذا لا يكون السؤال المطروح الذي يجب أن يتأمل فيه الجميع : " ماذا لو طلب الليبيون عقد مؤتمر وطني موسع يضم كافة ذوي الخبرة والاهتمام من الكوادر الليبية الوطنية دون قيد على فكرهم وانتماءهم ومواقفهم"؟!
عن موقع ليبيا اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق