السبت، 1 يناير 2011

أبواب ليبيا مفتوحة أمام التونسيين: خطوة أخرى نحو التكامل



تلقينا في صحيفة "العرب" بكل الارتياح القرارات الهامة التي أعلن عنها القائد الليبي معمر القذافي مساء الثلاثاء والهادفة إلى تعميق العلاقة مع تونس والترحيب بالتونسيين في الجماهيرية، فقد قرر الزعيم الليبي رفع كل الرسوم والقيود الإدارية والمالية عن دخول التونسيين إلى الجماهيرية سواء أكان لغرض السياحة أو العمل أو لأي غرض آخر.

هذه القرارات تختزلها عبارة لافتة ومهمة وذات مغزى عميق جاءت في النص الذي نشرته وكالة الأنباء الليبية على لسان القائد معمر القذافي حين دعا إلى أن يعامل التونسيون "معاملة أشقائهم الليبيين".

وهذه العبارة تعني أن العلاقة بين البلدين الجارين تجاوزت مرحلة العلاقة بين دولة ودولة، وتجاوزت مرحلة البروتوكولات والرسميات والحسابات، وصارت علاقة مباشرة وعميقة بين الشعبين تكاد أن ترتقي القرارات الأخيرة بهما إلى شعب واحد.

ولا بد من الإشارة هنا إلى بعض الملاحظات المهمة ونحن نقرأ دلالات هذه القرارات وتأثيراتها المنتظرة؛

أولا؛ هناك حقيقة يعرفها الليبيون والتونسيون معا، وهي التي تفسر نجاح سياسة التكامل بين البلدين، هذه الحقيقة تقول إن القائد معمر القذافي والرئيس زين العابدين بن علي مؤمنان فعلا بأن قدر البلدين هو التكامل، ولذلك تتجدد الزيارات والاتصالات والتشاور بين الزعيمين حول مختلف القضايا الثنائية والإقليمية والدولية.

وهذا الإيمان لا يقف عند الحرص على إنجاح التكامل الثنائي بين تونس وليبيا فقط، بل يعرف مواطنو الدول المغاربية الخمس أن القذافي وبن علي أكثر المتحمسين لإنجاح الاتحاد المغاربي والخروج به من حالة الجمود والارتهان للخلافات الجزئية إلى حالة أفضل تنتظرها الشعوب الخمسة، وينتظرها المستثمرون المغاربيون والعرب والأجانب، وينتظرها الاتحاد الأوروبي الذي طالما حث الدول الخمس على التكتل لإنجاح الشراكة بأبعادها المختلفة.

ثانيا؛ ولأن التكامل أو الوحدة لا قيمة لهما إذا ظلا عند حدود الخطابات والشعارات السياسية، فإن التكامل بين ليبيا وتونس، بوعي تام من القذافي وبن علي، اتجه إلى مصالح الناس وملامسة ما ينتظرونه، وقد كانت مختلف القرارات الصادرة عن اجتماعات اللجان المشتركة تُعنى بالمشاريع الاقتصادية والمالية والخدمية التي تستقطب المستثمرين ورجال الأعمال وتوفّر فرص عمل إضافية أمام الباحثين عن عمل من البلدين.

يضاف إلى هذا تخفيف الرسوم وتسهيل الإجراءات على البوابات من الجانبين، وقد جاءت القرارات الأخيرة للقائد القذافي لتزيل كل العقبات وتجعل الانتقال من بلد إلى آخر سهلة وبسيطة، وهو ما يُعطي جرعات قوية لحركة التجارة والسياحة وينعش سوق العمل.

ثالثا؛ لا شك أن المواطنين في البلدين سيتلقون هذه الإجراءات بالتفاعل الكبير، وخاصة في تونس التي تمتلك الكثير من الكفاءات والخبرات الباحثة عن عمل، ولأن الجماهيرية هذه الأيام هي عبارة عن ورشة عمل كبرى، فإن الحصول فيها على عمل سيصير أمرا سهلا وممكنا لأصحاب المهن والحرف والاختصاصات المرتبطة بالتكنولوجيا المتقدمة ولكل من يريد أن يجني الرزق بالتعب وعرق الجبين، وهي فرصة، أيضا، للشركات والمؤسسات التونسية لتدخل السوق الليبية لتتنافس مع مختلف الشركات الدولية الموجودة بليبيا.

رابعا؛ إن القرارات النوعية التي أعلنت عنها القيادة الليبية لفائدة التونسيين تمثل فرصة أمام مختلف الأقطار العربية إلى البحث عن التكامل الثنائي أو الثلاثي من بوابة مصالح الناس وتطوير مستوى عيشهم وتحييد الخلافات السياسية التي لا تنتهي في ظل وضع عربي معقّد، والتركيز على الاقتصاد والاستثمار والتنمية ومحاربة الفقر والبطالة.

الكثير من الأقطار النفطية والمستثمرين العرب يفضلون الاستثمار في دول بعيدة وغير نامية، ويرفضون الاستثمار في المنطقة العربية لأن الخلافات والحسابات السياسية بين الدول والزعماء تعرقل جهودهم وتعطّل مشاريعهم، وهذه حقيقة واضحة وجلية.

ونأمل أن يكون المستوى المميز الذي بلغته العلاقة بين ليبيا وتونس فرصة للكثير من الزعماء كي يراجعوا مواقفهم ويكفوا عن الخلط بين السياسة، والاقتصاد ومختلف المجالات الأخرى، والأمر نفسه يخص الجامعة العربية التي رهنت نفسها طويلا للخلافات السياسية وعطّلت الكثير من المشاريع التي سيكون لتحقيقها أثر نوعي على حياة العرب، ونذكر خاصة السوق العربية المشتركة.

وتعلق الجماهير العربية آمالها على ترؤس القائد معمر القذافي للقمة العربية في أن يدفع إلى كسر هذا الجمود وتطوير مختلف مؤسسات العمل العربي المشترك لتكون في مستوى الرغبة الشعبية الباحثة عن التكامل والوحدة الملموسة على الأرض.

وهكذا، فإن العرب، يحتاجون إلى أن يُغيّروا آليات تفكيرهم ويقطعوا مع منطق التصرف كدولة قطرية معزولة عن محيطها ولا يهمها ما يدور حولها وبجوارها، ويبحثوا عن التعاون الجدي مع أشقائهم ويوظفوا إمكانياتهم في تطوير أمتهم، ذلك أن الاستقرار والأمن لا يتحققان إلا في محيط إقليمي ناجح اقتصاديا ومتوازن اجتماعيا.

محمد أحمد الهوني
رئيس تحرير صحيفة العرب العالمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق