السبت، 15 يناير 2011

تحذيراتٌ وتنبيهات... حول ما جرى - ويجري - مِن التقتيل والتفجيرات


....مما لا ينبغي التلكّؤ في ذكره ، ولا التأخرّ في إبانته :

أن الدعوة السلفية دعوة علمية هادية وهادئة ؛ يُعرف منهجها بما انتسبت إليه من فهم صحيح ، ونهج واضح رجيح ، راجعٌ -كُلُّه- إلى سبيلِ سلف الأمة الصالحين ، من خير قرون هذه الأمة-سادة وقادة-..

ولا يلزم من ذلك - ألبتة - أن تكون رجعية! أو ماضوية!!-كما يطيب لبعض النابزين رميها به-!
بل هي جامعةٌ بين الالتزام التام بالأصالة المنهجية ، إضافةً إلى الانتفاع والاستفادة من تطوُّرات العصر ومُحْدَثاتِهِ التي لا تتناقض مع الشرع الحكيم وأصوله ودلائله..

وهي -مِن جهةٍ أُخرَى- ليست حزباً ، ولا حركة ، ولا جماعة ،ولا تنظيماً..

وإنما هي -أصلاً وفرعاً- دعوة قائمة على التعاون الشرعي الأخوي الودود -مع - وبين - عموم الناس - ضمن قواعد الشريعة، وإرشادات العلماء الربانيين..

وهي -في سبيل تحقيق ذلك-تسعى للتكامل مع أولياء أُمور بلاد المُسلمِين -تواصياً وتناصحاً -بالحق إلى الحق- ؛ وبما يعود نفعه، وترجع فائدته إلى الأمة الإسلامية -قاطبةً-.

والدعوة السلفية -بطبيعتها العلمية ، وبأصولها الشرعية-ترفض العنف، وتأبى الفوضى، وتناقض التكفير المنفلت ؛ الذي ليس له خِطام ولا زِمام ؛ مما يمارسه بعض الجهلة المنتسبين للإسلام ؛بغير هدى ولا بصيرة ولا كتاب منير..

والدعوة السلفية - بحمد الله - تعالى - دعوة واحدة...ليس فيها -أبداً- ما يُنْسَبُ إليها مما ليس منها -مِن تَعَدُّديَّات!- يقال فيها -اليومَ- في عالم الصَّحافة- أو السياسة-: سلفية جهادية ! أو :سلفية تقليدية ! أو :سلفية تجديدية.. إلخ.
ذلكم أن الدعوة السلفية (الواحدة) - في ذاتها - دعوة معتدلة ، وسطية ؛ تستمد وجودها واستمراريتها-بعد فضل الله -تعالى- من وضوح منهجها القائم على الكتاب والسنة ،وفتاوى أكابر علمائها والأئمة...في الوقت الذي يضلل أولئك المنتسبون زوراً -للسلفية- ،هؤلاء العلماء -فضلاً عن عامَّةِ الدعاةِ وطلبة العِلم!-، ويشكِّكون بهم ،ويسفِّهون مرجعيتهم...

فأين هم من الحق، أو الدعوة إلى الحق، أو أهل الحق؟؟!
فنِسبتُهُم -أو انتسابُهم-هذا- مُناقضٌ للواقع، مُغايرٌ للحقِّ.



...وقد استنكرْنا -غير مرة- ما جرى -ولا يزال يجري!- -وللأسف الشديد- في عدد من ديار الإسلام-من تقتيل أعمى ، وتفجير أهوج ؛ يُفسد الأمن ،ويضيّع الأمان، ويزلزل الإيمان، ويقتل -بصورة عمياء- المواطنين الأبرياء-سواء منهم مَن كان مِن المسلمين، أو مِن غير المسلمين- ممن لهم حق الرعاية والحماية والحِياطةِ - جميعاً - في ظِلِّ الدولة المسلمة -والحمد لله-.

ولم نكد ننسى ما وقع في بلادنا الأردن-حرسها الله-قبل سنوات قليلةٍ-من تفجير كبير غاشم وظالم ؛راح ضحيته عشرات الأبرياء من عامة الناس-رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً-..

ولا تزال -جرَّاءَ ذلك- غصة الألم في نفوسنا ، ومرارة الظلم في قلوبِنا؛ فالأسى لا يُنسى...

فَضلاً عمّا جرَى في السعوديَّة، والمغرب،ومصر.. و.. و.. -وغيرها مِن بلاد الإسلام- مِن تفجيرات وتقتيلات مُماثلةٍ...

إنَّ مجرد وقوع هذا العمل الجبان الظالم السيئ الفاسد المفسد-من أيِّ أحد كان-؛فإنه مستنكر غير مقبول..فكيف إذا وقع هذا الباطلُ ممن قد ينتسبون إلى الإسلام ،ويدّعون العمل للإسلام ،أو الدعوة للإسلام؟؟!!

فلا شك أن الإنكار على هؤلاء سيكون أشد وأنكى؛لما سيتبع أفعالهم القبيحة -هذه- من نتيجة قبيحة سيئة ترجع بالسوء والبلاء على الإسلام وأهله..

فالإسلام العظيمُ يأبى هذا - كُلَّه- يرفضه..
وينكره ويستنكره..
ويناقض أدعياءه ويردّ عليهم...


ولستُ -في هذا المقال - في مَقام القاضي، أو القضاءِ، أو التقاضي، أو التحقيق (البوليسي): في إثبات، أو نفي صلة فلان، أو الجهة الفلانية -أو غير ذلك-!! سواءٌ في هذا الحادث، أو ذاك!

وإنّما أنا أبيِّنُ -ها هُنا- حُكماً شرعيًّا صارماً يلزمُ كلَّ فاعلٍ فاسد لهذه المفاسد -مسلماً كان أو غير مُسلمٍ-...

وليس يُغيِّرُ قولَنا، ولا يُناقضُ حُكْمَنا: ما هو واقعٌ -في بعضِ أنحاءِ العالمِ- على أعدادٍ مِن المُسلمِين -مِن ظُلمٍ، وقَتْلٍ، واحتلالٍ -مِن قِبَلِ بعضِ غيرِ المُسلمِين-...

فإنَّ هذا الظُّلْمَ والقتلَ والاحتلالَ صادرٌ ممَّن لا ضوابطَ تضبطُهُم، ولا أُصولَ تَلزَمُهُم -أو تُلزِمُهُم-.
أمَّا نحنُ -المُسلمِين-؛ فإنَّ عندَنا منهجاً ربَّانِيًّا كامِلاً لا انْخِرامَ فيه، ولا خَلَلَ يَعترِيه؛ يضبطُ مَواقِفَنا، وأحكامَنا، وعواطِفَنَا...

فأينَ نحنُ مِن أُولاءِ!؟ وما لنا ولهُم؟!

... وإنني إذ أكتب هذا ؛فإنما أكتبه بعدَما وصل أسماعَنا حول ما جرى -أمس- من حادث شنيع ،وعمل فظيع :من التفجير والتقتيل الذي وقع في بعض كنائس مدينة الإسكندرية-ثاني أكبر مدن مصر المحروسة-أدام الله عليها إيمانها وأمانها- ،والذي أوقع عدداً ليس بالقليلِ من القتلى والجرحى-بغير ذنب فعلوه، ولا جُرم اقترفوه-...
والنبيّ العربي الكريم-صلى الله عليه وسلم-يقولُ: «مَن قَتَلَ مُعاهداً؛ لمْ يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ» [رواهُ البخاريُّ]..
بل حرَّم نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- ما هو أدنى من القتل للمعاهد -فيه، وله-، فقال: «ألا مَن ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغيرِ طِيب نفس؛ فأنا حجيجُه يوم القيامة» [رواه أبو داود في «سننه»]..

و(المعاهد)؛هو:الكتابي الذي له عهد وميثاق في المجتمع المسلم ، وبين أهله وأبنائه.



إن التاريخ-كله-يشهد لهذا الإسلام -الحق-بما أداه من حق إلى عموم الخلق- في العلوم والمعارف، والنظُم والتصورات ، والآداب والأخلاق، والحضارة والاقتصاد- على مدى قرون وقرون-...

ولعل كلماتٍ مُباركةً كتبها أحدُ كِبارِ علماء المسلمين-قبل نحو تسعمئة سنة-وهو الإمام أحمد بن إدريس القرافي ( المتوفى سنة 684 هـ - الموافق 1285 م )-في ظرف صعب عسِر-؛ تُبين الموقفَ الشرعيَّ الإسلاميَّ الناصعَ مِن أهل الكتابِ-من قديم الزمان- -ممّن لهم الذمَّةُ في ديارِ الإسلام- حُسناً وكمالاً- ؛ حيث قال - رحمه الله- في كتابه «الفروق» (3 / 15) :


(.. فالرفقُ بضعيفهم ، وسَدُّ خَلّة فقيرهم ، وإطعام جائعهم ، وإكساء عاريهم ، ولِين القول لهم - على سبيل اللطف بهم ، والرحمة-...، واحتمال إذايتهم في الجوار مع القُدرة على إزالته- لطفاً منَّا بهم...-، والدعاية لهم بالهداية، وأن يُجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم، وحفظ غَيبتهم إذا تعرَّض أحد لأذيتهم، وَصَون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم، وكلُّ خير... فإنَّ ذلكم من مكارم الأخلاق...».


ومِن الشواهد التاريخية- العلمية العمليَّة التطبيقية- أيضاً-، والتي تدلُّ على حرص المسلمين- عامتهم، وعلمائهم- على حماية أهل الكتاب -ممّن لهم الذِّمَّةُ في ديارِ الإسلام-: موقف شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم ابن تيميَّة -رحمه الله- ( المتوفى سنة 728 هـ - الموافق 1328م)، حينما استولى التتار على الشام ، وأرادَ مَلِكُهم أن يحرّر الأسرى المسلمين
-فقط-! فإذا بالإمام ابن تيمية يعترض أشدَّ الاعتراض ، ويطالب بتحرير الأسرى
-جميعهم- المسلمين والنصارى على السواء - ، قائلاً:

«إننا لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسرى من المسلمين وغير المسلمين ؛ لأنهم أهل ذمَّتنا، ولا ندع أسيراً - لا من أهل الذمة ، ولا من أهل الملة-».

بل أوجب الإمام ابن تيمية- رحمه الله - على المسلمين -وقتذاك- متابعة القتال حتى يتمَّ تحرير الجميعِ، فلما رأى ملكُ التتار ذلك أطلق سراح جميع الأسرى لديه-.


هذه حقيقة الإسلام ، وحكمة الإسلام ، ورحمة الإسلام ، وبعض مواقفه الشريفة العِظام ...


... فلْيَتَّقِ اللهَ كُلُّ مُسلمٍ -مهما كان، كيفما كان، أينما كان- حق التقوى؛ وتطبيق ذلك وتنفيذه : بأنْ يكونَ كل واحد منا مَثَلاً سامياً يبيّن حقيقةَ الإسلام، ويُظهر أخلاقَ أهل الإسلام... مُجانِباً ومحاذراً-في الوقتِ ذاتِهِ- أنْ يكونَ مَثَلَ سَوءِ في تشويه صورةِ الإسلام، أو تنفير غير المُسلمِين منه...


وبخاصَّةٍ في هذه الظُّروفِ الصَّعبةِ التي يَعيشُها المُسلمون -عامَّةً- في أرجاءِ العالَمِ -كُلِّهِ- ضَعفاً ووهَناً-، ولا مُفرِّجَ إلاّ اللهُ -سُبحانَهُ في عُلاه-.

وأما ما هو جارٍ -اليومَ- في كثير ديارِ الغَربِ مِن موقفٍ سلبيٍّ فكريّ تُجاه الإسلام والمُسلمين؛ -والذي صار أشبهَ بالمرضِ -منهم وإليهم-؛ يَحْذَرُونَ منه، ويُحذِّرُونَ منه، حتّى سمّوه -فيما بينهم-: (الإسلامفوبيا!!):فهو أَكْبَرُ دَليلٍ على ما منه حَذَّرْت، ولِحُكْمِهِ بيَّنْت-لو كانوا يعلمون-...


وأكادُ أجزمُ -غيرَ مُتردِّد- أنَّ علاجَ هذا المرضِ العضال إنما يكونُ بالعملِ على نقيضِهِ، والسعي إلى إظهارِ ما يزيّفه ، وكشفِ ما يُضادُّهُ -ممَّا ذَكَرْتُهُ- مِن التعريفِ بالإسلامِ الحقِّ، وأخلاقه الفاضلة، وآدابه الكاملةِ الماثلة...


وأختم -هُنا- بإعادةِ ما كتبتُهُ في كتابي «التحذير مِن فتنة التكفير» (ص31) -قبل خمسة عشر عاماً- وقد طُبِعَ عِدَّة مرَّاتٍ- وذلك قبل أحداث (11سبتمبر) -المشهورة!- لمّا قُلتُ- مُحذِّراً، ومنبِّهاً- بعد بيانٍ وبيانٍ-:


«نقولُ الذي قُلناه: ردًّ لِغُلُوِّ الغالِين، وتكفير المُكَفِّرِين؛ الذين فَتَحُوا البابَ مُشْرَعاً
-بأفعالِهِم وأقوالِهِم- لكلِّ أعداءِ الدِّين ومُناوئِيه؛ لِيَصِفُوا الإسلامَ بالتطرُّفِ، والمُسلمينَ بالإرهاب.. مِن غير تمييزٍ، وبلا تفصيلٍ.. فكانُوا -بسوءِ صنيعِهم- سدًّا مَنيعاً في وَجهِ الدّعوةِ الحقَّةِ للإسلامِ الحقِّ، وسبباً كبيراً للضغطِ على المُسلمِين، واستِنزافِ مُقدَّراتِهم، وشَلِّ قواهم...
فاللهُ يُصْلِحُهُم، ويُسدِّدُ دَرْبَهُم...».


... واللهُ المُستعان.

كاتب المقالة: علي بن حسن الحلبي الأثري
**********



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق