السبت، 1 يناير 2011

التشاؤم يسيطر على الرأي العام العربي .. عن اي إصلاح يتحدثون؟

وصلت قيمة مؤشر نتائج التقرير الثالث لمرصد الإصلاح العربي 53.6 نقطة مظهرة ثباتاً تقريبيّاً هذا العام مقارنة بالعام الماضي. ويحاول التقرير استطلاع ورصد وقياس خطى الإصلاح بكافة مستوياته في العالم العربي، ويتناول هذا العام قضية الإصلاح في مجال التعليم، وهو من تحرير د.مصطفى علوي؛ الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.






وبالنسبة للمؤشرات الفرعية سجل مؤشر إدراك الإصلاح السياسي أعلى قيمة له بين المؤشرات الفرعية المكونة للمؤشر العام لإدراك الإصلاح العربي خلال عام 2010؛ حيث بلغت قيمته 59.7 نقطة.






ويأتي مؤشر إدراك الإصلاح الثقافي في المرتبة الثانية ليصل إلى 57.7 نقطة محققاً انخفاضاً بلغ نحو 0.2 نقطة مقارنة بعام 2009. أما مؤشر إدراك الإصلاح الاجتماعي فاحتل المرتبة الثالثة ليصل إلى 51 نقطة، مرتفعاً عن العام الماضي بمقدار 6 نقاط. أما مؤشر إدراك الإصلاح الاقتصادي فقد جاء في المرتبة الأخيرة بمعدل قدره 47.5 نقطة.






عدم الرضا عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية العربية يتفاقم للسنة الثالثة على التوالي وفق التقرير الثالث لمرصد الإصلاح العربي






وبخصوص إدراك النخبة للإصلاح السياسي، تضمن استطلاع الرأي لعام 2010 طرح عدد من الأسئلة التي تكشف عن تطورات ومستجدات الإصلاح السياسي في الدول العربية كالشفافية الانتخابية، واحترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية، ومدى الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومدى حرية واستقلال المنظمات غير الحكومية، وأدوار المؤسسات الدينية والأحزاب السياسية، وحرية الإعلام، والقدرة على الوصول إلى المسئولين السياسيين، والدور الرقابي للسلطة التشريعية، والفصل بين السلطات، ومستوى اللامركزية التي تمارسها المجالس النيابية.






وسارت نتائج استطلاع رأي النخبة العربية لعام 2010 في نفس الاتجاه الذي أشار إليه التقريران السابقان (2008 و2009)، ولكن مع وجود اختلافات طفيفة من عام إلى عام وفقا لمعطيات الواقع السياسي العربي بين عام وآخر، وتقدم شواهد كل عام فرصاً أوسع للتحليل والتفسير في سياق متغيرات العام والأعوام السابقة.






كما تشير النتائج إلى وقوف الرأي العام عند منطقة تميل إلى التشاؤم والنظرة السلبية، والتقارب في إجابات المناطق الجغرافية التي اتفق عليها فريق العمل وهي: دول المشرق (الأردن، لبنان، فلسطين، سوريا، العراق)، ودول المغرب (المغرب، تونس، ليبيا، الجزائر، موريتانيا)، ودول منطقة الجزيرة العربية (دول الخليج العربي، اليمن)، ودول المنطقة الوسطى (مصر، السودان، الصومال، جزر القمر، جيبوتي).






ولكن في الكثير من الأسئلة في هذا القسم كانت لدول منطقة الجزيرة العربية إجابات مختلفة إلى حد كبير عن باقي المناطق، وفي بعضها الآخر لوحظ أيضا تميز واضح لإجابات دول المغرب عن باقي المجموعات؛ حيث مالت إلى إجابات تشير إلى أوضاع أكثر إيجابية مقارنة بباقي المناطق، في المقابل تميل إجابات دول منطقة الجزيرة إلى السلب أكثر مقارنة بباقي المناطق.






ويمكن ترتيب المناطق من حيث الأفضلية على النحو الآتي: منطقة المغرب ثم المنطقة الوسطى ثم منطقة المشرق وأخيراً منطقة الجزيرة العربية، وإن لم تكن الفروق جوهرية.






وهذا التمايز بين الإجابات دليل قاطع على وعي المواطن العربي وحساسيته تجاه التغيرات التي تشهدها بلاده، كما يؤكد تراجعاً لثقافة القهر والقمع، والتي لم يكن المواطن العربي في ظلها يستطيع تقديم رأيه بحرية في ظل الخوف المسيطر عليه من السلطة.






وجاءت نتائج الاستطلاع لافتة في العديد من القضايا الخاصة بالتعليم، فقد أظهرت النتائج أن النخبة العربية غير راضية عن مستوى التعليم، ورغم ذلك فإنها متفائلة بشأن إصلاحه، وفي الوقت نفسه فإنها شديدة الحذر من التغيير الشامل للمناهج التعليمية.






كذلك كشفت النتائج عن تنامي الشعور الوطني لدى المواطن العربي، والدليل على ذلك هو رفض الأغلبية الساحقة الاستعانة بمستشارين أجانب من أجل إصلاح التعليم.






وأشارت النتائج كذلك إلى جوانب مهمة لقصور نظام التعليم العربي، تمثل خطراً كبيراً على مستقبل المنطقة العربية.






وبالنسبة لإدراك النخبة للإصلاح الثقافي تشير النتائج إلى أن غالبية أفراد العينة (67%) أشاروا إلى وجودٍ ما لبرنامج الإصلاح الثقافي، ولكن في الوقت نفسه كان هناك (45.5%) من العينة يرونه غير واضح، وقرر حوالي ثلث العينة (33%) عدم وجود مثل هذا البرنامج، في حين بلغت نسبة من يرون أن ثمة برنامجاً معلَناً وواضحاً للإصلاح الثقافي (21.5%). ولا تختلف مجموعات الدول الأربعة في المؤشرات السابقة إلا في حالة منطقة الدول الوسطى؛ حيث ترى النسبة الأكبر من آراء عينة النخبة فيها وجود برنامج معلَن وواضح للإصلاح الثقافي (42.4%)، مقابل (25.6%) لا يرون ذلك.






وحين سُئل أفراد العينة عن تقييمهم الشخصي لبرامج الإصلاح الثقافي في بلادهم لم تتجاوز نسبة من عبَّروا عن وجود قدرٍ من النجاح 23.2%، في الوقت الذي يرى 41.2% أي ما يقرب من ضعف هذه النسبة أن النتائج غير مرضية، بجانب نسبة تتجاوز ثلث العينة (35.6%) تعبر عن حاجة هذه البرامج إلى مزيد من التفعيل والإجراءات، وهو ما يعني أن أكثر من 75%من العينة لا يرون إنجازاً محسوساً لبرامج الإصلاح الثقافي في بلدانهم. لا تتباين تلك النتائج كثيراً فيما بين مجموعات الدول الأربع المختلفة، وإن كان يُلاحظ ارتفاع نسبة من يرون أن نتائج برامج الإصلاح الثقافي غير مرضية في دول المشرق (50.5%)، ودول الجزيرة العربية (50.8%) وبما يتجاوز المتوسط العام (41.2%) على مستوى العينة. وقد يرجع ارتفاع تلك النسب إلى وجود معوقات سياسية أو توترات عرقية أو طائفية تدعم نفوذ التيارات المحافظة، مما يبطئ من عمليات الإصلاح الثقافي التي ترتبط بتوافر قدر من المناخ الديمقراطي.وكلها عوامل تبطئ - إن لم تكن تعوق - عمليات التحول الديمقراطي وبالتالي الإصلاح الثقافي.






وإذا حاولنا مقارنة إدراك النخبة العربية لمدى فاعلية ونجاح برامج الإصلاح الثقافي كما ورد في التقرير الثالث (2010)، بما ورد في التقرير الثاني الصادر عام 2009، والتقرير الأول الصادر عام 2008، فسوف يتضح أن تلك النسبة التي بلغت 30.5% في تقرير عام 2008 قد انخفضت إلى 20,2% في التقرير التالي لترتفع ارتفاعاً بسيطاً في تقرير هذا العام؛ حيث بلغت 23.2%. ولكن الصورة تتضح أكثر إذا ما لاحظنا أن نسبة من لا يرضون عن عمليات الإصلاح الثقافي ترتفع عبر التقارير الثلاثة بشكل مطَّرد من 20% إلى 38.3% إلى 41.2% على التوالي، مما يمثل إشارة تحذير لا ينبغي تجاهلها.






من خلال تحليل النتائج قدمت النخبة بعض المقترحات بشأن إصلاح التعليم في المنطقة العربية، وتتمثل في:






أولاً: ضرورة إحداث تغييرات جذرية في النظام التعليمي تتجاوز مجرد زيادة الموارد التي يتم ضخها، وهي تغييرات تتناول صلب فلسفة النظام التعليمي وأهدافه، والسياسات التعليمية، وبنية المؤسسة التعليمية.






ثانياً: ربط الإصلاح الجذري للنظام التعليمي بالإصلاح السياسي الشامل سببا ونتيجة؛ حيث إن التحول الديمقراطي الحقيقي هو القادر على استيعاب دور المؤسسة التعليمية المستقل/القائم على حرية البحث العلمي.






ثالثاً: ضرورة الانفتاح على التجارب الإنسانية الأخرى في تطوير التعليم والأخذ بأفضل خبراتها ودروسها دون الاقتصار فقط على أمور تتعلق بالخصوصية والهُوية والحفاظ على الذات؛ حيث يؤدي ذلك في النهاية إلى إهدار فرص اللحاق بالتقدم العلمي الحقيقي. وبشأن إدراك النخبة للإصلاح الاجتماعي، تشير النتائج إلى أن إدراك النخبة العربية للمشكلات الاجتماعية والإجراءات التي اتُخذت لعلاجها شهد تحسناً كميّاً ملحوظاً مقارنة بالعام الماضي، وعلى الرغم من هذا التحسن فإن هذا لم ينعكس على تقييم النخبة لكفاية الإجراءات؛ حيث ظلت تقريبا كما هي، وهو ما يدلل على أن هذه الإجراءات لم تكن كافية من وجهة نظر عينة النخبة لإحداث الإصلاح الاجتماعي المأمول.






وقد أبرز تحليل إدراك عينة النخبة لمشكلات النظام التعليمي تطابقاً مع واقع المشكلات في الوطن العربي؛ حيث جاءت مشكلات الدروس الخصوصية، وعدم اتساق سياسات التعليم مع سياسات التنمية الأخرى، وتزايد الغش والفساد، والاعتماد على التلقين، والتسرب من التعليم في مقدمة المشكلات التي تعاني منها أنظمة التعليم في غالبية البلدان العربية، وإن أشارت عينة النخبة لوجود إجراءات للمواجهة فقد أكدت عدم كفاية هذه الإجراءات من أجل إحداث إصلاح في التعليم؛ حيث إن الهدف من هذه الإجراءات هو إحداث التطوير على مستوى المؤشرات الكمية فقط.






كذلك أكد إدراك النخبة على وجود تفاوت ملحوظ في جودة ونوعية التعليم الذي يتلقاه الفقراء ومحدودو الدخل مقارنة بالفئات الأعلى داخل المجتمع.وعلى الرغم من اتخاذ إجراءات للمواجهة فإنها غير كافية لتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء على المستوى التعليمي، والأمر نفسه ينطبق على التفاوت بين المناطق الحضرية والمناطق النائية، والتفاوت بين التعليم الحكومي والتعليم الخاص؛ حيث أدى إلى ترك تأثيرات سلبية واضحة نتج عنها تعميق الفجوة بين المتعلمين.






أما التفاوت على المستوى النوعي (ذكور- إناث) فقد استطاعت العديد من البلدان العربية تجاوزه لدرجة أن الفروق أصبحت لصالح الإناث في التعليم الجامعي، وهو ما أدى إلى إدراك العينة لكفاية الإجراءات مقارنة بالتفاوتات الأخرى. على الرغم من إدراك عينة النخبة لوجود علاقة بين التعليم والصعود الاجتماعي وعن وجود إجراءات لتفعيل مساهمة التعليم في الحراك فإن التقييم جاء في صالح عدم كفاية هذه الإجراءات، وهو ما يدعم تراجع التعليم عن دوره الأساسي كأحد مؤشرات التنمية البشرية، والأمر نفسه ينطبق على علاقة التعليم بمشكلات المجتمع فهناك مقررات ونشاطات ضمن برامج التعليم للتوعية والتثقيف إلا أنها غير كافية، وهو ما يدلل على الحاجة الماسة إلى التنسيق بين برامج التعليم ومشكلات المجتمع.






أما بالنسبة لإدراك النخبة للإصلاح الاقتصادي فتشير النتائج إلى أن هناك اتفاقاً عامّاً بين مختلف مجموعات الدول العربية على أن برامج الإصلاح الاقتصادي في بلادهم تحتاج إلى مزيد من التفعيل والإجراءات، فعلى الرغم من نجاح العديد من الدول العربية في مواجهة الأزمة المالية العالمية وتوابعها فإن هناك تحديا حقيقيّا يواجه صنَّاع السياسة في البلاد العربية ألا وهو مراجعة برامج الإصلاح الاقتصادي حتى تتلاءم مع المعطيات التي تفرضها مرحلة ما بعد الأزمة العالمية؛ حيث إن هناك عالماً جديداً في سوق المال والتجارة الدولية والأعمال يتطلب خططا جديدة حتى يتسنى للمنطقة العربية أن تحقق أكبر قدر من النفع من هذه الظروف الجديدة، والدليل على ذلك أن المشكلات المزمنة التي رصدها التقريران السابقان لا تزال تمثل تحدياً في الوقت الحاضر، وتأتي على رأسها مجابهة البطالة وخاصة بين الشباب، والحاجة المُلِحَّة إلى إصلاح منظومة التعليم بشكل يتواءم مع متطلبات سوق العمل واحتياجات النمو في المستقبل، وتقليص العجز في موازين المدفوعات والموازنة العامة للدولة، هذا بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ خطوات جادة لوضع المقررات الخاصة بالتكامل الاقتصادي العربي وإدخالها في حيز التنفيذ.






وتوضح النتائج أن نسبة غير الراضين عن برامج الإصلاح الاقتصادي ارتفعت من 23% عام 2009 إلى 26.3% عام 2010، وتمثل دول المنطقة الوسطى أكثر الدول العربية رضا عن برامج الإصلاح الاقتصادي مقارنة بدول الجزيرة العربية التي سجلت أعلى نسبة لعدم الرضا عن تلك البرامج (45.7% من إجمالي العينة). والجدير بالذكر أن ارتفاع نسبة عدم الرضا عن برامج الإصلاح الاقتصادي يرجع إلى تعرض الكثير من الدول العربية إلى تبعات الأزمة المالية العالمية، والتي أثرت بصورة مباشرة على التشغيل والنمو والبطالة؛ حيث شهدت دول المنطقة تراجعاً حادّاً في النشاط الاقتصادي لم يتبعه ارتداد إيجابي وسريع عقب الأزمة، مع العلم أن احتمالات التعافي من الأزمة في الدول النامية أكبر بكثير من نظيراتها في الدول المتقدمة.






كذلك يؤكد تحليل إدراك النخبة على أهمية دور الرقابة في ترشيد قوة السوق، فمن أبرز الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية أن الرقابة الرشيدة هي صمام الأمن للاقتصاد الحر لتحقيق النمو والرخاء، وضرورة إعادة صياغة الأدوار النسبية للفاعلين في الحياة الاقتصادية وبصفة خاصة دور الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، فقد أدت الأزمة المالية إلى تزايد تدخل الدولة خاصة عن طريق إجراءات تحفيزية لتعويض النقص في الطلب الكلي الناتج عن الأزمة، كما أنه لا بد من وضع الحدود الآمنة حتى لا تعود الدولة إلى سابق عهدها في التدخل في الحياة الاقتصادية بدون حدود.كما أن دور القطاع الخاص يحتاج إلى مراجعة تشمل الرقابة الذاتية على دافع الربح ومراعاة الدور الاجتماعي لرأس المال في المجتمع.


محمد الحمامصي



ميدل أيست أونلاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق