الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

الفنان الليبي فتحي بدر: أعتزّ بدوري في عمر المختار


جميل حمادة: أنا معجب بهذا الفنان المبدع فتحي بدر، وكثيرا ما أتابع أخباره وأدواره كلما تسنى لي ذلك، نظرا لقلة الأعمال الدرامية الليبية، وهذه حقيقة يعرفها الجميع. وفي الحقيقة؛ فلقد كان مهرجان الفاتح الشعري الأخير فرصة حسنة وهامة للعديد من الشعراء والفنانين تجسدت في لقاءات شيقة ومثمرة جاءت بعد سنوات عدة ، كما تجسدت لنا في لقاءات فريدة هي الأخرى وجميلة حكمتها الصدفة المحضة..

وأحد أجمل هذه اللقاءات العفوية العابرة كان لي مع الفنان القدير المتألق بفنه وبإنسانيته معا.. فتحي بدر.
كان الوقت مساء وقد إنتهت أحدى الأمسيات الشعرية الناجحة.."!" بقاعة جمعية الدعوة الاسلامية بمدينة بنغازي الشيقة الجميلة القريبة من القلب.. والبحر يلفها ببحيرات صغيرة هنا وهنالك.


فترى كأن بنغازي كلها مسورة بالبحيرات التي تجوبها طيور الزمج والنوارس النافرة من كل حدب وصوب.. وأمامها مساحات من بقايا ساحات البحر القديم وقد إنحسرت عنها المياه العميقة فأصبحت سادرة في مياه بين بين، إمتلاء بفعل قنوات فتحتها الطبيعة أحيانا واليد البشرية أحيانا أخرى.. أو عبر سباخ من المياه المالحة تصلح لأن تكون مادة لأبحاث وتحاليل .. علها تكون حاضنا لمادة كيماوية ما ذات فائدة من نوع طبي علاجي ما.. من يدري..!


كل هذا كنت أفكر فيه وأراقبه وأنا أتحدث مع الفنان المبدع فتحي بدر.. ونحن معا نراقب نورسا يطير ثم يرجع ويدور ثم يرجع وكأنه في خصام مع رفيقته ويحاول أن يصلح ذات "قشهما" قبل أن تقسم ظهر بيتهما..!
تحدثت والفنان الكبير فتحي بدر عن تجربته الفنية الابداعية منذ أول الطريق.. وبداية المحاولة التي كانت على المسرح المدرسي، حيث المدرسة كانت هي الأساس والمكان الذي تفتحت فيه الموهبة على يد الأستاذ عبد السلام قادربوه، الذي كان يرعى المواهب وينتبه إليها، بالإضافة إلى إهتمامه بالموهوبين في فن الرسم والتشكيل والألوان..



* وحين سألته عن دراسته الجامعية قال الفنان فتحي بدر:
- أنا خريج جامعة قاريونس عام 1976 تخصص علم إجتماع، لأن إيماني كان عميقا بأن هذا التخصص تحديدا له علاقة وثيقة بعملية الفن والسوسيولوجيا.. ولكنه يقول بأن الصدفة وحدها هي التي جعلت منه نجما أو فنانا.



* كيف كان ذلك..؟
- يقول.. في يوم من الأيام تجرأت أن أزور الإذاعة بحس الأستاذ قادربوه الذي كان أستاذي. وفي تلك المرة كان يدور حوار في مسلسل تاريخي ما، فحدث نزاع بين الأستاذ عبد الفتاح الوسيع وبطل المسلسل، فقال له عبد الفتاح أنه إستغنى عنه بعدم انسحب، والتفت إلي.. وقال لي: هل تمثل..؟ قال: قلت "بكل صفاقة..!" نمثل..
وقام الأستاذ عبد الفتاح الوسيع بعمل إختبار لي، ونجحت في أول دور كبير؛ أما كيف حدث ذلك فإليك التفاصيل الغريبة.. اعتادت المدرسة الثانوية التي كنت أقرأ بها، أن تبعث بنا مجموعة طلبة كل سنة إلى طرابلس للقيام برحلة أو عمل ميداني، وكنا نقوم بتسجيل مسلسل إذاعي مسموع بعنوان "الأستاذ" وذلك عام 1964 أو حولها، وهذا العمل قمنا بإعادة تمثيله لصالح التلفزيون الليبي عام 68، حيث افتتح التلفزيون في بنغازي في ذات العام 1968.
فقال لي الأستاذ عبد الفتاح: يجب أن نستكمل تسجيل المسلسل؛ فقلت له لا أستطيع أن أذهب معك، فأنا ذاهب إلى طرابلس غدا مع المدرسة.. فقال لي؛ إذن فلتأت صباحا باكرا.. ثم سأقول لك ماذا سنفعل؛ وهكذا كان: جئته صباح اليوم التالي باكرا .. فسجل لي دوري بالكامل في تلك الصبيحة، أي طوال مدة الدور..
ويشير الفنان فتحي بدر في هذا الخصوص، إلى أن هذا النوع من التسجيل بالمناسبة؛ أجرته إذاعة الشرق الأوسط المصرية لعمر الشريف في إحدى العواصم الأوروبية حيث كان يقيم؛ على الأرجح في باريس على ما أذكر، وسجلوا معه كل حلقات المسلسل.. ذلك لأنه أقام فترة طويلة في باريس ولندن وغيرها من العواصم الأوروبية، كما تعلم.



* أخي فتحي من مؤلف هذا العمل؟
- مؤلفه الكاتب المسرحي الراحل محمد السوكني.. وقد جسدت أنا فيه دور الأب القاسي..!



* أستاذ فتحي.. ما هو أول عمل تذكر أنك قدمته..؟
-أول عمل كان هو نفسه "الأستاذ" .. ثم كرت السبحة.. حيث قدمنا الكثير من الأعمال الدرامية نفذناها للإذاعتين المسموعة والمرئية، ومسرحيات لمسرح النوادي، وكذلك للمؤسسات الثقافية والجامعية، ثم في فيلم عمر المختار للراحل مصطفى العقاد قمت بدور محمد الرضا السنوسي، والعديد من المسلسلات الوطنية مثل "الوشمة"، "موال حب"، المردوحة". ثم يذكر فتحي بعض الأعمال العالمية التي شارك بها، والتي نذكرها نحن بكل حب وفخر.. مثل "المفسدون في الأرض".
وأذكرأنا بينما أفكر بصوت عال قليلا أنني كنت أحد المتابعين لهذا العمل باهتمام وشغف كبيرين، وهو العمل الدرامي الطويل الذي كشف عن حيل ومفاسد ومؤامرات اليهود على مستوى العالم وعبر التاريخ. كما عرفنا فيه العديد من الوجوه الجديدة من كافة أنحاء الوطن العربي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عرفنا منه الفنانة السورية "رغدة". ويقول فتحي إن هذا العمل كان عام 1984 تقريبا، ثم عمل آخر بعنوان "عقبة بن نافع" عام 1986، ثم "حرب السنوات الأربع" عام 1983 – 1986، فعمل آخر بعنوان "الفاتحون" وهو تصوير الإمارات، لصالح مكتب الاتصال، وأنجز عام 1989، أي في الذكرى العشرين للثورة.
بعدها قمت بإنجاز عدة أعمال محلية من بينها "هلال وقمرة"، "عقير الكاف"، الهجيج" وهو عبارة عن صور في الكفرة، ثم "دروب" وهو دراما ليبية، ثم "جمر السنين" "الذي كان يعرض في شهر الفاتح"سبتمبر/أيلول" الماضي، أي أثناء لقائي بالفنان فتحي بدر" أما أحدث عمل فهو قد صور قبل شهر رمضان مباشرة، لمخرج أردني يدعى فايز دعيبس. طبعا هذا بالإضافة إلى العديد من الأعمال المحلية المسموعة والمرئية التي تخص بنغازي تحديدا.
ثم تحدثنا عن صديقنا الراحل، الإذاعي والشاعر المبدع عبدالله عبد المحسن.. قال فتحي أنه كان معه في "العشاء الأخير".. ثم بعد وفاته رحمة الله عليه، مباشرة، قمنا أنا وحسين بن عطيه وشقيقته عفاف عبد المحسن وعزيزة وآخرين، إضافة إلى ابن خاله.. إبراهيم عبد الحميد، صديق طفولته.. قمنا بجمع كل ما كتب عنه أو قيل، أي ما وصل إلى أيدينا.. وجمعناه في كتيب مع بعض الصور،.. وقمنا بطباعته.. وهو كتيب بسط متواضع وأقل بكثير مما يستحق عبدالله..
"ربما ما أعجبني في فتحي بدر ليس فقط شخصيته كفنان يملأ مكانه، ويتقمص دوره بصدق، وتلقائية غير معهودة، ربما لأنه يختار أدوارا تليق بشخصيته وسماته، ولكن أيضا ما شدني فيه تواضعه ونبله.. وقد حدث لي موقف معه جعلني أعيد اكتشاف فتحي بدر الفنان والانسان.
فلقد كان لزوجتي عم يقيم في مدينة المرج، وهي لم تره منذ 35 عاما، وبالأحرى لم تره في حياتها، لأنه ذهب إلى الجزائر قبل أن تولد، ثم جاء إلى ليبيا منذ أكثر من ثلاثين عاما.. ولم تتمكن من رؤيته، كما أنه لم يتمكن من زيارتها لسبب أو لآخر..، وجاءت مناسبة هذا المهرجان.. الذي كان لنا حافزا لزيارة المرج على رأس الأولويات.. فذهبت هي والصغيرتان.. حتى طرأ أمر آخر، وهو أن جماعة "عرب المرج" أرادوا رؤيتي وأن أكون بينهم ليوم أو بعض يوم.. وبينما أنا في حيرة من أمري.. كان الأخ فتحي بدر يقول لي بكل ثقة.. "يا سلام.. اتفضل أنا نرفعك للمرج.. هيا معي.. فقط دعني أذهب بابني للبيت.." وأنا ارتبكت أحوالي، وتناثرت الكلمات من فمي، لم أستطع أن أجمعها بشكل سويّ..
فلم أتخيل في هذا الزمان رجلا سوف يأخذك كل هذه المسافة.. وهو ليس صديق يومي بالأحرى مثلا.. بل صديق عادي.. خاصة أن البعد "جفاء" والمسافة بين طرابلس وبنغازي ليست بعدا عاديا.. وحق لنا هنا أن نشكر مخترع الطائرة الذي يقال أنه أكثر من شخص، ولكن دعونا نشكر بالمعية أيضا أول عالم عربي فكر بالطيران، ألا وهو عباس بن فرناس.. الذي قضى وهو يحاول.. ولم يدر أن محاولاته كللت بالنجاح..!
صحيفة العرب لندن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق